«الألغام غير المتفجرة».. قاتل خفي يهدد حياة ملايين السوريين

«الألغام غير المتفجرة».. قاتل خفي يهدد حياة ملايين السوريين
الألغام غير المتفجرة - أرشيف

رغم إسقاط نظام الأسد منذ أكثر من شهرين، فإن أشباح هذا النظام لا تزال تطارد السوريين، عن طريق مئات آلاف من الذخائر غير المنفجرة التي زرعت في مساحات كبيرة بالبلاد، لا سيما في ظل وقوع حوادث خلفت 136 ضحية، وتهديدات تطول 15 مليون سوري، وفق تقديرات حقوقية.

ويظل الإرث الثقيل الذي خلفه نظام الأسد منذ 2011 يهدد حق الحياة لدى ملايين، رغم كل الجهود الكبيرة الحالية التي تُبذل لمواجهة تلك الذخائر غير أنها ليست كافية في ظل قلة الخبراء والمعدات واستمرار العقوبات الدولية، إلى جانب أن عمليات إزالة الألغام قد تأخذ سنوات عديدة. 

وفي آخر الحوادث، كشف الدفاع المدني في سوريا عبر حسابه بمنصة "إكس" عن مقتل 8 مدنيين بينهم 3 أطفال أحدهم رضيع وامرأتان، وإصابة طفلة بجروح، وأغلب الضحايا من عائلة واحدة، إثر انفجار ذخائر منقولة من مخلفات الحرب وقع في منزل سكني ببلدة النيرب شرقي إدلب.

وأضاف: "فرقنا أسعفت عدداً من المصابين وانتشلت جثامين عدد من الضحايا من تحت الأنقاض، وحددت المكان لوجود مخلفات حرب غير منفجرة، وأسفر الانفجار عن دمار كبير في منازل المدنيين". 

القاتل المدفون

وفي فبراير الجاري، أعلن الدفاع المدني عن إزالة أكثر من 1400 ذخيرة غير منفجرة من مخلفات الحرب، خاصة أن إزالة مخلفات الحرب في سوريا خطوة مهمة لتحقيق السلام والاستقرار وتعافي المدنيين بعد سنوات من حرب نظام الأسد وحلفائه التي تركت مئات آلاف الذخائر غير المنفجرة. 

ووثقت منظمة "ذا هالو ترست" المتخصصة في إزالة الألغام، حسب إحصائيات حديثة مقتل 80 شخصا على الأقل، من بينهم 12 طفلا في الفترة بين 8 ديسمبر 2024 و7 يناير 2025.

وذكرت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" الدولية، أن 15 مليون سوري، أي ثلثي السكان، معرضون لما يراوح ما بين 100 و300 ألف من الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في جميع أنحاء سوريا بعد 14 عاماً من النزاع.

ودمرت 14 عاماً من الحرب سوريا وأسفرت عن مقتل أكثر من 500 ألف شخص وتشريد 10 ملايين داخل البلاد وخارجها، وخلال هذه الفترة اُستخدمت مليون قطعة ذخيرة متفجرة، بحسب تقديرات دولية جمعتها منظمة "هانديكاب إنترناشونال".

وبحسب المنظمة، فإن ما بين 100 و300 ألف من هذه الذخائر لم تنفجر، وهو ما يؤثر في البلاد بأكملها حيث إن ثلثي السكان معرضون لخطر مباشر بالقتل أو الإصابة بالمتفجرات.

وأوضحت مسؤولة برنامج سوريا في المنظمة دانيلا زيزي، خلال مقابلة صحيفة، أنه “في سوريا تم استخدام كثير من الأسلحة غير التقليدية مثل البراميل المتفجرة التي لديها معدل إخفاق أعلى، كما زرع تنظيم (داعش) الألغام في مناطق عدة، مشيرة إلى أن أكثر من 15 مليون شخص معرضون للخطر”.

ومع عودة 800 ألف نازح داخلياً و280 ألف لاجئ لديارهم في سوريا منذ سقوط بشار الأسد في ديسمبر، وفق أرقام الأمم المتحدة، فإن هذه الظاهرة "تشكل تهديداً خطراً لأمن المدنيين وستكون لها عواقب على جهود تعافي البلاد"، وفق ما تؤكد المنظمة الدولية.

وحذّرت المنظمة غير الحكومية من أنه "خلال شهرين فقط لاحظنا زيادة حادة في الحوادث المتعلقة بـالذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب من المتفجرات"، حيث جرى تسجيل 136 حادثة خلال يناير الماضي وفبراير الجاري.

سنوات صعبة

بدوره، قال المحلل السياسي السوري، عبد الرحمن ربوع، إن هذه الكارثة الإنسانية تعود لما قبل سنوات في سوريا، مع استخدام نظام بشار الأسد أنواعاً خطيرة من الأسلحة في كل الجغرافيا السورية، لافتا إلى أنه لا تزال هناك بقايا ذخائر وألغام غير منفجرة موجودة في الحقول على الأرض والمدن ضمن الركام والمناطق المنكوبة.

وأضاف ربوع، في تصريح لـ"جسور بوست": "الخطر يهدد 70% من الجغرافيا السورية خاصة مع كثرة هذه المخلفات والألغام"، لافتا إلى أن التهديد قائم مع رفع المخلفات وعمليات رفع الأنقاض والركام والحقول، وهذا يزيد من المخاطر التي تهدد حياة السوريين لا سيما في حلب والغوطة الشرقية التي كانت تشهد إلقاء نظام الأسد كميات هائلة من الذخائر يوميا". 

وكذلك معظم الحقول والمزارعين تواجه حياتهم مخاطر أيضا، خاصة في إدلب وحماة وحلب، بخلاف الكثير من الألغام غير المنفجرة أيضا في شرق سوريا في دير الزور والرقة.

 يضيف ربوع أن المأساة تزداد مع عدم التمكن بعد من التوصل لمعلومات وخرائط كاملة بأماكن تلك المتفجرات، فضلا عن عدم وجود برامج لإزالة تلك الألغام ولا إمكانيات للسوريين للتعامل مع مخلفات الحرب.

وأشار إلى أن عودة اللاجئين والاستثمارات وعودة الإنتاج والدورة الزراعية متوقفة على إزالة هذه المخالفات، وهذا تهديد لسوريا كلها وحاضرها ومستقبلها.

وعن الحلول، يرى المحلل السياسي السوري أن إزالة تلك الذخائر غير المنفجرة تحتاج لخبرات دولية في هذا الإطار بمعدات وتجهيزات للكشف عن مواقعها تمهيدا لإزالتها، غير أن الظرف السياسي والعقوبات والعلاقات المحدودة مع المجتمع الدولي تحول نحو تحقيق تقدم كبير، لافتا إلى أن خبراء الدفاع المدني في سوريا نحو ألف خبير، وهذا الرقم رغم ما يقدمونه لا يغطي سوريا.

وقال إنه يجب أن تتواصل حكومة الشرع المؤقتة للحصول على خبراء وتجهيزات لإنهاء تلك الأزمة، فسوريا تحتاج إلى سنوات طويلة ولا نملكها حاليا في ظل العقوبات، مشددا على أهمية الدعم الدولي والعربي لسوريا في هذا الإطار لتجاوز تلك الكارثة الإنسانية المهددة لملايين ومستقبل البلاد.

تضافر الجهود

من جانبه، قال الخبير العسكري والاستراتيجي ورئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، العميد عبدالله الأسعد، إن الألغام والذخائر التي لم تنفجر في سوريا تشكل خطرا كبيرا على حياة المدنيين، لافتا إلى أنه رغم أن الحرب وضعت أوزارها فإن تلك الألغام يستمر تأثيراتها واستهدافاتها للمدنيين، وبالتوازي تستمر معها جهود التعامل من فرق فنية ووحدات عسكرية وهندسية وتحديد مناطق وجودها وإزالتها.

وشدد الأسعد في تصريح لـ"جسور بوست"، على أهمية أن تكون هناك خرائط توضع بكل الوزارات لا سيما الزراعة، لأن العاملين في الحقول هم الأكثر عرضة لخطر تلك الذخائر غير المفجرة، بخلاف طلاب المدارس التي كانت تستخدم كمقار للميليشيات ونظام بشار الأسد.

وأضاف: "رغم ذلك هناك خطوات جيدة، ويتم التعامل من الحكومة الحالية مع تلك الأزمة التي هي من بقايا نظام بشار الأسد، وهناك حملة للتعاون بشأن إنهاء ذلك الخطر الذي يكشف كم كان نظام الأسد غير عابئ بحياة السوريين".

وأشار إلى أنه "يوميا يتم في سوريا تفجير ما لا يقل من 50 إلى 60 لغما أو قذيفة والسكان المحليون يسمعون صوت تلك الانفجارات لتلك الذخائر التي يبدو أنها زرعت في مناطق واسعة بسوريا وهناك صعوبة لتحديد أماكنها حاليا". 

ومتطرقا إلى الحلول، قال العميد عبدالله الأسعد: “تجب الاستعانة بفرق من الدول العربية والإقليمية والدول المساعدة لسوريا، لإبعاد خطر كبير يهدد حياة السكان المحليين”.

وأشار إلى إمكانية أن تستمر جهود إزالة الذخائر غير المنفجرة لسنوات، مشددا على أن الدعم العربي والدولي قد يقلل من تلك السنوات ويحفظ أرواح السوريين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية